مسجد بن بحر
أقدم مسجد بتاريخ الكويت
من منطلق محبة تاريخ الكويت والحرص على إطلاع الأجيال الحالية من أبناء الكويت على الصحيح منه والموثق، يهدف هذا الموقع الإلكتروني إلى بيان الحقائق التاريخية الموثقة عن مسجد ابن بحر أقدم مسجد بتاريخ الكويت، لنتعرف على جزء مهم من تاريخ الكويت بالمصادر المؤصلة، وليتضح بعض ما خفي عن القارئ البسيط غير المتمعن بتاريخ الكويت القديم لتصل المعلومات الصحيحة الموثقة عن جزء مهم من تاريخ الكويت بعيداً عن بعض ما قيل من معلومات غير صحيحة عن هذا المسجد وأسرة البحر المؤسسة التي أطلق عليها اسم المسجد، وهم الأسرة المعروفة اليوم بين الناس باسم "عبدالمحسن البحر".
وينبغي التنويه أن المسجد المقصود هو مسجد ابن بحر (ويطلق عليه مسجد الإبراهيم أيضاً) وهو أقدم مسجد بالكويت، والذي هدم - مع كل أسف - في بداية الستينيات، وكان يقع مقابل قصر السيف (بالقرب من موقع المسجد الكبير حالياً) والفرضة القديمة. وليس المقصود مسجد البحر في السوق وهو مسجد محمد البحر رحمه الله من أسرة البحر التميمية المعروفة باسم (عبدالرحمن البحر) والذي تأسس عام 1907م ولا يزال موجود حاليا في السوق عند (براحة السبعان - براحة بن بحر).
وسنبدأ باستعراض سيرة مختصرة عن أسرة عبدالمحسن البحر التي أطلق عليها مسجد ابن بحر قبل الخوض بما كتب عن مسجد ابن بحر أقدم مسجد بتاريخ الكويت.
مصدر الصورة: كتاب معالم مدينة الكويت القديمة - الجزء الأول: نواة مدينة الكويت - مركز البحوث والدراسات الكويتية
من هي أسرة البحر المؤسسة في الكويت والتي سكنتها قبل قدوم العتوب؟
يذكر المؤرخ سيف مرزوق الشملان – رحمه الله – النص التالي عن الأسر المؤسسة في الكويت التي تواجدت فيها قبل قدوم العتوب، والنص التالي مقتبس من كتابه (رحلتي مع الكلمة – ص 237):
"يقع الكوت على مرتفع البهيتة أمام قصر السيف القديم على ساحل البحر في فريج الشيوخ ، ويسكن في الكوت وحوله أتباع بني خالد وغيرهم كما تسكن جماعة من قبيلة العوازم وبعض الأسر الكويتية القديمة التي سكنت الكويت قبل تأسيس مدينة الكويت القديمة ، يعملون في الملاحة والغوص على اللؤلؤ والرعي وصيد الأسماك ، وأعرف من هذه الأسر الكويتية القديمة هذه الأسر الكويتية الكريمة والتي لا تزال موجودة وهي كما سمعت من كبار السن:
١-أسرة بورسلي ٢-أسرة المصيبيح ٣-أسرة السدّاني
٤-أسرة البحر ومنها المرحوم عبدالمحسن البحر المدرس المعروف، وينسب إلى أسرة البحر هذه مسجد البحر أول مسجد بني على أرض الكويت بناه ابن عريعر أمير قبيلة بني خالد، ويقع على ساحل البحر بجوار الكوت جهة الغرب أي أمام مجلس الوزراء، وجدد المسجد عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر، جد أسرة البحر سنة 1158 هـ – 1745 م يقع قرب قصر السيف ومع الأسف الشديد فإن هذا المسجد التاريخي هدم بدلا من المحافظة عليه".
وفي نفس الكتاب أعاد المؤرخ سيف الشملان نشر مقال علق فيه على كلام الشيخ عبدالله الجابر رحمه الله حينما ذكر أن أسرتا بورسلي والمصيبيح الكريمتين سكنتا الكويت قبل قدوم العتوب، فأضاف لهما سيف الشملان في تعليقه أسرة عبدالمحسن البحر المقصودة، والنص الآتي نقلاً عن كتابه (رحلتي مع الكلمة – ص 307):
"أول من سكن الكويت: ذكر الشيخ عبدالله الجابر اسم أسرتين كانتا تسكنان الكويت قبل أن يصل إليها آل صباح وآل خليفة ومن معهم من الأسر والجماعات وهما أسرة السداني وأبورسلي والمصبيح. وكذلك أسرة رابعة مشهورة هي أسرة البحر ومنها المرحوم عبد المحسن البحر المدرس المعروف وينسب إليها مسجد البحر أول مسجد بني على أرض الكويت حول (الكوت) جهة الغرب على ساحل البحر وسمي بعد ذلك مسجد الإبراهيم هدم لاحقاً."
إن في حديث المؤرخ سيف الشملان دلالة واضحة أن أسرة البحر المقصودة باستقرارها في الكويت قبل قدوم العتوب هي أسرة عبدالمحسن البحر لا غيرها من الأسر الكريمة التي تحمل لقب البحر العائلي، كما أنه أشار وبشكل واضح – كما تجمع المصادر التاريخية الأخرى – أن الأسرة التي نسب إليها مسجد ابن بحر هي أسرة عبدالمحسن البحر أحفاد الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر، لا غيرها من الأسر التي تحمل نفس الاسم.
من هو جد أسرة البحر التي أطلق عليها مسجد ابن بحر؟ ولماذا يميزها الناس باسم "عبدالمحسن البحر" اليوم؟
يميز الناس اليوم أسرة البحر المؤسسة والتي ينسب إليها مسجد ابن بحر أقدم مسجد بالكويت باسم "عبدالمحسن البحر" نسبة إلى المربي الفاضل عبدالمحسن البحر رحمه الله والذي ذكره المؤرخ سيف الشملان في حديثه المقتبس أعلاه، وهو عبدالمحسن بن عبدالله بن عبدالمحسن بن ابراهيم بن عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر.
وأسرة البحر المقصودة اشتهرت بالعلم والتدين، وهم ذرية الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن خميس بن وسيط بن معن، وهو أول من جدد بناء مسجد ابن بحر عام 1745م حتى أطلق عليه اسم المسجد (مسجد ابن بحر) كما قام بإمامته عدداً من ذريته. وتنتسب هذه الأسرة إلى قبيلة الفضول من بني لام، وذكر ذلك الشيخ عبدالله في مخطوطة الأربعين النووية التي نسخها في عام 1745م، حيث كتب في نهايتها: "وكان الفراغ من تسويده ضحى الخميس نهار سبع عشر رمضان في ساعية سليان الكنفي عند جبل كتنبل، قاصدي بيت الله الحرام إن شاء الله سنة ١١٥٦ هـ بقلم عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن وسيط بن معن الفضلي" (انظر كتاب الثقافة في الكويت: بواكير - اتجاهات – ريادات، الطبعة 6 منقحة ومعدلة – ٢٠١٤ - خليفة الوقيان) وكتاب (الكويت والعتوب في الوثائق والروايات الشفهية والكتابات العربية والأجنبية 1563 – 1814: حصيلة أولية - د. فيصل الوزان)
كان الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر إماماً فاضلاً ذو علم في وقت انتشرت فيه الأمية وضعف العلم الشرعي، فكانت مخطوطاته الدينية التي نسخها من ضمن أقدم المخطوطات والوثائق بتاريخ الكويت، والمعروف مما نسخه حتى الآن مخطوطة لرسالة القيرواني في عام 1726م ومخطوطة لكتاب الأربعين النووية في عام 1745م، وتمثل تلك المخطوطتان ثالث ورابع أقدم المخطوطات الكويتية المعروفة حتى الآن بعد مخطوطة كتاب الموطأ عام 1683م من نسخ الشيخ مسيعيد بن أحمد وهو من أهل فيلكا، ومخطوطة كتاب الفتح المبين في شرح الأربعين من نسخ الشيخ محمد بن عبدالرحمن العدساني في عام 1725م.
وكما ذكرنا فإن المخطوطة الأولى التي عثر عليها حتى الآن مما نسخه الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر هي الرسالة الفقهية المالكية الشهيرة التي ألفها الإمام أبو محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني. ونسخها الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في تاريخ 19 من شوال 1138هـ الموافق 20 يونيو 1726م وحملت في بدايتها جملة (واجب أمور الديانات) ويذكر د. فيصل الوزان أستاذ التاريخ بجامعة الكويت في كتابه (الكويت والعتوب في الوثائق والروايات الشفهية والكتابات العربية والأجنبية 1563 – 1814: حصيلة أولية) ما يلي:
"اكتشف باحثون في التراث والأدب الكويتي مخطوطة كويتية لكتيب بعنوان رسالة القيرواني، وهي رسالة فقهية مالكية مشهورة، قام بنسخها عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في تاريخ ١٩ من شوال ١١٣٨هـ الموافق ٢٠ يونيو ١٧٢٦م، وذلك بحسب الدكتور خليفة الوقيان، والدكتور عباس الحداد. ويظهر اسم هذا الناسخ، كما نبه الوقيان والحداد، في كتاب محمد بن خليفة النبهاني التحفة النبهانية كمجدد للمسجد الذي سمي عليه وهو ابن بحر سنة ١١٥٨هـ/ ١٧٤٥م بحسب الوثيقة الشرعية التي قرأها ولخصها النبهاني كا سنرى. ويبدو أن الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر كان عالما وتاجرا في بداية الكويت الحديثة".
كما تحدث د. عباس يوسف الحداد بمقاله (واجب أمور الديانات لابن بحر... كشف تاريخي) عن هذه المخطوطة وقام بوصفها وتفسير بعض ما جاء فيها كما يلي:
" كما يذكر د. خليفة الوقيان في كتابه القيم الثقافة في الكويت. لا يحمل المخطوط اسما أو عنوانا، بل جملة مختصرة «من واجب أمور الديانات» على مذهب الإمام مالك بن أنس، يقع في (151) صفحة من القطع المتوسط قياس 15× 20سم، كُتِب كله بالمداد الأسود عدا عناوين الأبواب فقد خطت بالمداد الأحمر.
جاء في بدايته: «... فإنك سألتني أن أكتب لك جملة مختصرة من واجب أمور الديانات مما تنطق به الألسنة، وتعتقده القلوب، وتعمله الجوارح، وما يتصل بالواجب من ذلك من السنن من موكدها ونوافلها ورغايبها وشيء من الآداب منها. وجمل من أصول الفقه وفنونه على مذهب الإمام مالك بن أنس – رحمه الله – وطريقته مع ما سهل سبيل ما أشكل من ذلك من تفسير الراسخين وبيان المتفقهين لما رغبت فيه من تعليم ذلك للوالدين كما تعلمهم حروف القرآن ليسبق إلى قلوبهم من فهم دين الله عز وجل وشرايعه ما ترجى لهم بركته وتحمد لهم عاقبته، فأجبتك إلى ذلك لما رجوت لنفسي ولك من ثواب من علم دين الله أو دعا إليه، واعلم أن خير القلوب أوعاها للخير، وأرجا القلوب للخير ما لم يسبق الشر إليه، وأولى ماعُنِي به الناصحون ورغب في أجره الراغبون ايصال الخير إلى قلوب أولاد المؤمنين...».
وكان أول أبواب المخطوط بعنوان: باب ما تنطق به الألسنة وتعتقده الأفئدة من واجب أمور الديانات. وآخر باب فيه بعنوان: يخرج من تركة (الميراث)،
وفي آخر الكتاب كتب المصنف: «وكان الفراغ من هذا الكتاب ضحى يوم الأربعا نهار ثمان وعشرين من شهر شوال 1138 ألف ومائة وثمانيا وثلاثين من الهجرة النبوية على مهاجرها أفضل الصلاة وأكمل السلام، على يد أفقر عباد الله وأحوجهم إلى رحمة الله، العبد الفقير الذليل الحقير المعترف بالتقصير الراجي عفو ربه القدير عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر عفا الله عنه، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم».
ثم ذيل الصفحة ببيتين من الشعر يحملان الدعاء له، ووضع كل بيت على نحو مائل من جانبي الصفحة:
يقيم الخط في القرطاس دهرا وصاحبه رميم في التراب
ألا ياليت من يقرأ كتابي دعا لي بالخلاص من العذابِ
والبيتان من الأبيات المشهورة عند العمانيين قديما، إذ يحرص العمانيون على تذييل كل رسالة أو مخطوط بها، أو كتابتها على جدران مجالسهم وبيوتهم بجانب أسمائهم «كما يقول الأستاذ أحمد الرحبي».
ثم كُتِب على جانب الصفحة الأخيرة من اليسار العبارة التالية: «في ملك شيخ علي بن سعيد بن بحر»."
ويلاحظ أن الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر كتب اسم والده ووصفه بالشيخ دلالة على علمه الشرعي، ويقول د. فيصل الوزان في كتابه (الكويت والعتوب في الوثائق والروايات الشفهية والكتابات العربية والأجنبية 1563 – 1814: حصيلة أولية) عن تلك الجملة ما يلي:
"ثم كتب على جانب الصفحة الأخيرة من اليسار العبارة التالية: "في ملك شيخ علي بن سعيد بن بحر". والاسم الأخير يبدو أنه اسم والد الشيخ عبدالله، ولهذا دلالة أخرى تخص توارث الاهتمام بتحصيل العلم وتدوينه."
كما ذكر د. عباس يوسف الحداد بمقاله (واجب أمور الديانات لابن بحر... كشف تاريخي) عن الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر الآتي:
"هو نفسه الذي جدد بناء مسجد ابن بحر في عام 1745. وهو ما يؤكد انشغاله واشتغاله بالعلوم الفقهية والخيرية إذ تحدر من أسرة علم وورع وتقى، تهتم بما يصلح به الناس أمور دينهم ودنياهم، وتؤمن أن إعمار مساجد الله من أشرف الأعمال وأجلها وأثوبها".
أما المخطوطة الثانية التي عثر عليها حتى الآن مما نسخه الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر فهي مخطوطة لكتاب الأربعون النووية للإمام النووي ونسخها الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في في عام 1745م، وعن ذلك يذكر د. فيصل الوزان في كتابه (الكويت والعتوب في الوثائق والروايات الشفهية والكتابات العربية والأجنبية 1563 – 1814: حصيلة أولية) الآتي:
"وثق الدكتور خليفة الوقيان في كتابه المهم الثقافة في الكويت: بواكير – اتجاهات – ريادات في طبعته السادسة وجود مخطوطة لكتاب الأربعين النووية من نسخ الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر الفضلي في العام ١١٥٦هـ / ١٧٤٣م، إلا أن المخطوطة الأصلية مفقودة حاليا. ويستدل على وجودها من خلال قيام أحد أحفاد الشيخ ابن بحر عام ١٩٧٥، بطبع الكتاب من مخطوطة جده. وهذه هي ثاني مخطوطة معروفة للشيخ ابن بحر، كتبها بعد سبع عشرة سنة من نسخة الرسالة القيروانية آنفة الذكر . وكتب في نهاية المخطوطة، بحسب الكتاب المطبوع، ما نصه: "وكان الفراغ من تسويده ضحى الخميس نهار سبع عشر رمضان في ساعية سليان الكنفي عند جبل كتنبل، قاصدي بيت الله الحرام إن شاء الله سنة ١١٥٦ هـ بقلم .... عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن وسيط بن معن الفضلي."
ويبدو لي أن الناسخ قد أنهى النسخ وهو في طريقه إلى مكة لأداء شعائر الحج، فسجل مكانه الكائن في جبل کتنبل. وهو عبارة عن جزيرة تسمى الآن جزيرة جبل كدمبل وتقع في البحر الأحمر وتتبع محافظة عسير غرب السعودية. في أن ابن بحر قد اتخذ الطريق البحري بدلا من القوافل البرية.
يذكر أن نسخ هذه المخطوطة سبق قيام الدولة السعودية الأولى سنة ١٧٤٤م، ولعل طريق الحج البري كان صعبا. مما يعني ومن خلال التاريخ الذي زودنا به ابن بحر يتضح أن هذه السنة قد تكون هي نفسها السنة التي غزا فيها نادر شاه الكويت، فقد ذكرت المصادر النجدية – كما سنرى لاحقا – تاريخين لهذا الغزو: سنة ١١٥٥هـ و ١١٥٦هـ. ولكن الشيخ ابن بحر رجع إلى الكويت وقام بتجديد مسجد ابن بحر سنة ١١٥٨هـ / ١٧٤٥م.
ويرجح د. فيصل الوزان في كتابه بأن الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر قد جمع بين العلم الشرعي والتجارة:
"يبدو أن هذه الشخصية الكويتية كانت ذات شأن كبير، فهي فريدة من نوعها في ذلك الزمن، لأن الشيخ ابن بحر جمع ما بين طلب العلم، ونسخ الكتب، والرحلة إلى الديار المقدسة، وتجديد مسجد الكوت (الذي سمي باسم مسجد ابن بحر)، وهذا ما يجعلنا نفترض أنه كان تاجرا غنيا قادرا على بذل الأموال في أعمال الخير، وتفريغ نفسه لطلب العلم، والسفر إلى الحج.
إن اتخاذ الشيخ ابن بحر الطريق البحري مارا بموانئ كثيرة في الخليج العربي وخليج عمان وبحر العرب والبحر الأحمر يوحي بأن سفره قد اشتمل على شيء من التجارة. وكذلك يوضح لنا معرفة الكويتيين بهذا الطريق البحري ووصولهم إلى اليمن وشرق أفريقيا والبحر الأحمر في تلك الفترة المبكرة.
ومما يمكن ملاحظته والتعليق عليه أيضا أن ذكر ابن بحر لساعية (سفينة؟ أو عبارة؟) سليمان الكنفي تشير إلى أهمية هذه الشخصية لديه في ذلك الوقت، لأنه ربما أراد إسعاده بتسجيل اسمه في مخطوطة كتاب ديني. وتشير ربما إلى أن وسيلة سفر الكويتيين في تلك الفترة إلى هذه الأماكن كانت لا تتم عن طريق السفن الكويتية دائما. فلربما كان ابن بحر يستقل سفنا أجنبية مختلفة للسفر من ميناء إلى آخر".
لماذا أطلق مسجد ابن بحر على الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر؟
كان الناس يطلقون الأسماء على المساجد قديماً لتعريفها، فقد بنيت ابتغاء مرضاة الله لتقام فيها شعائر الإسلام لا غير ذلك، وكانت الأسماء تطلق على المساجد تعريفاً، فتارة تطلق على من تبرع بالأرض، وتارة على من تحمل تكلفة البناء أو التجديد، وفي أحيان أخرى من أشرف على البناء، أو قد يطلق على إمام عرف به المسجد، أو على مكون اجتماعي ينتمي له عدداً كبيراً من مصليه، لذلك نجد بعض المساجد في الكويت تحمل أكثر من اسم عند الناس، وننصح القارئ بكتاب (تاريخ مساجد الكويت القديمة) للباحث عدنان الرومي حيث يتناول تفاصيل كل ذلك لجميع مساجد مدينة الكويت القديمة.
وعن بناء مسجد ابن بحر يروي الباحث عدنان الرومي النص الآتي:
"لاشك أن الكويت كانت منذ عام ١٠٢٢مـ ـ ١٦١٣م موجودة كقرية صغيرة عامرة، اتخذها بعض الصيادين والبدو وحراس الحصن مقراً لهم في القرن الحادي عشر الهجري الموافق السابع عشر الميلادي وذلك حول - أو قريباً- من حصن بني خالد الذي أقيم بغرض تخزين المؤن، والذخائر اللازمة لإقامتهم المؤقتة فـي الـمـراعـي الـمـجـاورة له، وعـنـد غزواتهم شمالاً، جهة البوادي العراقية، أو لـيـكـون مـأوى لـرعاتهم وأتباعهم، فلابد لسكان هذه القرية الصغيرة أن يكون لهم مسجد تقام فيه الصلاة، فكان مسجدنا هذا، مسجد (بن بـحـر) الذي ظل شـاهـداً تاريخياً ـ إلى فترة الستينيات . حيث هدم ـ على نقطة بداية تكوين العمارة والسكنى في الكويت".
لذلك لا يعرف تحديداً شخصاً بذاته قام ببناء المسجد والذي يرجح بناءه في نهاية القرن السابع عشر الميلادي، إلا أن تجديدات المسجد موثقة بتاريخ الكويت، فالتجديد الأول كان في عام 1745م (1158 هـ) حيث جدد بناءه الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر جد أسرة عبدالمحسن البحر، ويروي تفاصيل ذلك محمد النبهاني في كتابه (التحفة النبهانية في تاريخ الجزيرة العربية) ونص ما أورده من قصة تجديد المجلس ما يلي:
"قد اطلعنا على ورقة (حجة شرعية) مكتوب فيها بأن مسجد ابن بحر جدد بناءه عبد الله بن علي بن سعيد بن بحر بن خميس بن ثاني بن خميس بن وسيط بن معن عام ١١٥٨هـ ١٧٤٥م وذلك بعد أن تحصل من قاضي الكويت على الاذن ببيع دار كانت موقوفة على ذلك المسجد المذكور. ولما ثبت لدى القاضي خراب المسجد وخطورة تهوره على المصلين . أذن ببيع تلك الدار ليصرف ثمنها على تجديد وتعمير المسجد المذكور فبيعت تلك الدار بثلاثين قرشاً وكانت قيمة القرش الواحد في ذلك الوقت تساوي ثلث ريال عربي فعمر ذلك المسجد عام ١١٥٨هـ ١٧٤٥م ومعلوم أن تقادم بناء المسجد وخرابه .لايكون إلا بعد مرور مدة طويلة من الزمن. تقدر غالباً بماية سنة فأكثر. وقد فهمنا من ذرية ابن بحر بأن ذلك المسجد أنشئ عام ١٠٨٠هـ ١٦٧٠م فكأنه عمر وجدد بعد مضي نحو ٧٨ سنة من بنائه الأول . وهي مدة معقولة فيها ظهور خلل في بناء المسجد المذكور ".
وفي الحجة الشرعية التي اطلع عليها النبهاني ووثقها وكتب عنها الكثير من كتب تاريخ الكويت ما لا يدع مجالاً للتأويل بهوية المجدد الأول للمسجد وهو الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر بأن احتوت هذه الحجة الشرعية على اسمه كاملاً حتى جده السابع (معن)، ويُستَغرب هنا القول في أحد المواقع الإلكترونية أو في وسائل التواصل الاجتماعي من أن أسرة أخرى كانت وراء اطلاق اسم ابن بحر على المسجد من منطلق أن بيت أحد الأسر يقع في حي الوسط من مدينة الكويت! وذلك على الرغم من أن موقعه بعيد جداً عن المسجد ولا يقع من ضمن محلة مسجد ابن بحر (محلة الإبراهيم) القريبة من بهيتة! أو القول بأن الذي "بنى" المسجد قبل تجديده هو جد أحد الأسر دون أي سند أو دليل تاريخي! وتلك الأقاويل لا أساس لها أو دليل في تاريخ الكويت، فكما سبق ذكره لا يُعرَف رجلاً بنى هذا المسجد القديم، وأن أول ما يعرف عنه وموثق بتاريخ الكويت هو التجديد الأول الذي قام به جد أسرة عبدالمحسن البحر وهو الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في عام 1158هـ 1745م.
كما أن مثل تلك التهيؤات - وبذات المنطق الذي تستند إليه - تهمل ذكر حقيقة أن ذرية عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر سكنت قريباً من المسجد في محلة مسجد ابن بحر (محلة الإبراهيم) وأورد ذلك كتاب (معالم مدينة الكويت القديمة - الجزء الأول: نواة مدينة الكويت) الصادر عن مركز البحوث والدراسات الكويتية والمعد من قبل نخبة من الباحثين في تاريخ الكويت، حيث اختص هذا الجزء من الكتاب بتعريف أساس تكوين مدينة الكويت القديمة والمنطقة التي كانت أساس نشأتها، وتطرق الباحثون فيها بشكل رئيسي إلى محلة مسجد ابن بحر (محلة الإبراهيم)، وذُكِرَ في الكتاب أسماء ملاك البيوت فيها، وفي جدول هوامش المعلومات الإضافية عنها ذكر التسلسل التاريخي لكيفية مآل تلك البيوت إلى أصحابها بذكر ملاكها القدامى، ونضع هنا خريطة بيوت محلة مسجد ابن بحر، ونضيف إليها تصرفاُ إشارات توضح مساكن أسرة عبدالمحسن البحر أحفاد الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر الذي أطلق عليه مسجد ابن بحر طبقاً للمذكور في هوامش ملاك القسائم في الكتاب، ونلاحظ قرب بيوتهم من المسجد ووقوعها ضمن نطاق محلة مسجد ابن بحر.
هل تقع براحة مبارك بالقرب من مسجد ابن بحر؟
للتنويه ذكرت بعض المواقع الإلكترونية أن البيوت القريبة من براحة مبارك تعتبر قريبة من مسجد ابن بحر، وهذه معلومة خاطئة، فالبيوت المذكورة بعيدة جداً عن مسجد ابن بحر ولا تقع ضمن محلة مسجد ابن بحر (محلة الإبراهيم)، كما أن تلك المنطقة تعتبر حديثة نسبياً بالنسبة لتلك المتواجدة في محلة مسجد ابن بحر والتي تعتبر منطقة أساس تكوين مدينة الكويت القديمة.
وأقرب المساجد لبراحة مبارك هي مسجد مبارك ثم مسجد الحمدان ثم مسجد المطوع، حتى إن المساجد البعيدة عنها مثل مسجد الحداد ومسجد السوق الكبير ومسجد الخميس ومسجد الخليفة ومسجد العدساني هي أقرب للبراحة من مسجد ابن بحر مما يدل على بعدها عنه!
مصدر الصورة: من إعداد الباحث محمد عبدالهادي جمال - وضعت الإشارات على الخريطة تصرفاً
صورة جوية لمدينة الكويت القديمة في الخمسينيات و تظهر فيها المسافة الكبيرة والبيوت الكثيرة التي تفصل محلة مسجد ابن بحر عن براحة مبارك البعيدة عنها
لماذا يعرف مسجد ابن بحر باسم مسجد الإبراهيم أيضاً؟
كما سبق بيانه أن أول من جدد بناء المسجد هو الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر في عام 1745م، أما التجديد الثاني فقد كان بعد مرور 117 عام من التجديد الأول أي في عام 1858م، وقام به عبدالله بن عيسى بن محمد الإبراهيم وهو أبو التاجر المعروف يوسف الإبراهيم رحمهما الله (انظر كتاب مساجد الكويت القديمة لعدنان الرومي). ولذلك كان هناك من يسمي المسجد (مسجد ابن بحر) وهناك أيضاً من يسميه (مسجد الإبراهيم)، والمتمعن بتاريخ مساجد الكويت القديمة يجد الكثير منها حمل أكثر من اسم اشتهر به عند الناس.
كما سبق أن أوردنا نصاً من كتاب المؤرخ سيف الشملان في كتابه (رحلتي مع الكلمة – ص 237) يبين أن الاسم القديم للمسجد هو (مسجد ابن بحر) ثم سمي بعد ذلك بـ (مسجد الابراهيم):
"أول من سكن الكويت: ذكر الشيخ عبدالله الجابر اسم أسرتين كانتا تسكنان الكويت قبل أن بصل إليها آل صباح وآل خليفة ومن معهم من الأسر والجماعات وهما أسرة السداني وأبورسلي والمصبيح. وكذلك أسرة رابعة مشهورة هي أسرة البحر ومنها المرحوم عبد المحسن البحر المدرس المعروف وينسب إليها مسجد البحر أول مسجد بني على أرض الكويت حول (الكوت) جهة الغرب على ساحل البحر وسمي بعد ذلك مسجد الإبراهيم هدم لاحقاً."
كما ذكر عبدالرحمن بن عبدالله السويدي اسم "جامع ابن بحر" في مذكراته التي كتبها في القرن الثامن عشر الميلادي وتحديداً في الفترة ما بين 1772 - 1778م وعنوانها "تاريخ حوادث بغداد والبصرة"، وذلك عندما غادر العراق إلى الكويت فراً من الطاعون، ومما قاله السويدي النص التالي:
"خرجت الى الكويت وخرج معي جماعة. والكويت بلدة على ساحل البحر، وكانت المسافة ستة ايام برا، فدخلتها واكرمني اهلها (اكراما) عظيما. وهم اهل صلاح وعفة وديانة، وفيها اربعة عشر جامعا وفيها مسجدان، والكل في اوقات الصلوات الخمس تملأ من المصلين. اقمت فيها شهرا لم أُسأل فيها عن بيع او شراء ونحوهما، بل أُسأل عن صيام وصلاة وصدقة، وكذلك نساؤها ذوات ديانة في الغاية. وقرأت فيها الحديث في ستة جوامع، نقرأ في الجامع يومين او ثلاثة فيضيق من كثرة المستمعين، فيلتمسون مني الانتقال الى اكبر منه، وهكذا حتى استقر الدرس في جامع ابن بحر، وهو جامع كبير على البحر كجامع القمرية في بغداد، وجاء الطاعون اليها لكنه لم يكبر ولم تطل ايامه."
ويدل ذلك على أقدمية تسمية مسجد أو جامع ابن بحر منذ القرن الثامن عشر الميلادي.
ويقتضى التنويه أنه قد أخطأت بعض الكتب في ذكر أن الشيخ إبراهيم بن الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر هو مؤسس المسجد، فالصحيح أن أباه هو أول من جدد بناء المسجد وقد سبق وذكرنا تفاصيل بناء وتجديد وتسمية المسجد أعلاه.
صور مسجد ابن بحر أقدم مسجد بتاريخ الكويت
المصادر
الكويت والعتوب في الوثائق والروايات الشفهية والكتابات العربية والأجنبية 1563 – 1814: حصيلة أولية - د. فيصل عادل الوزان
مخطوطة (واجب أمور الديانات لابن بحر) في عام 1138هـ (1725م) - الشيخ عبدالله بن علي بن سعيد بن بحر
معالم مدينة الكويت القديمة - الجزء الأول: نواة مدينة الكويت - مركز البحوث والدراسات الكويتية
تاريخ حوادث بغداد والبصرة من 1186 إلى 1192 هـ / 1772 - 1778م - عبدالرحمن بن عبدالله السويدي البغدادي
الثقافة في الكويت: بواكير - اتجاهات – ريادات، الطبعة 6 (منقحة ومعدلة) ٢٠١٤ - خليفة الوقيان